لاتقبل بأقل مما تستحق
صفحة 1 من اصل 1
لاتقبل بأقل مما تستحق
بُنيّ يا أحبَّ الناس أجمعين،، كم أحبُّ لك أيها الغالي أن تتعلم، في وقت مبكر من عمرك، هذا
الذي سأحدثك عنه حول قيمة الشعور بالاستحقاق، فإني لم أُدرك قَدْرَ تلك القيمة، ولم أعرف آثار
غيابها، إلا بعد أن انقضى من العُمر جُلُّه، ولم يبقَ منه - فيما أظنُّ - إلا أقلُّه، وفقاً لما يؤشر إليه
منحنى الصحة، الذي استدار واتّجه نحو الانحدار. وحين دخلتْ قيمة (الشعور بالاستحقاق) تلك
مجال الانتباه والوعي لديّ، متأخرةً، كانت آثار جهلي القديم بها، أو غفلتي عنها، قد استشرتْ
واستحكمتْ، وغلبتْ وتمكّنتْ، وكانت جذورها قد امتدت في عمق الماضي، وتغلغلت فروعها في
مكوّنات الحاضر وجَنباته، فما عاد اجتثاثها ممكناً، ولا الحدُّ من تمددها بمقدور عليه.
الشعور بالاستحقاق يا بُنيّ، جزء من الثقة بالنفس، لكننا كثيراً ما نغفل عن أهميته وقيمته حين
نبحث في جوانب تلك الثقة أو نتحدث في أمرها. والمقصود بهذا الشعور هو إحساس المرء بأنه جدير
بأن تثبت له جميع الحقوق الطبيعية والقانونية التي يتمتع بها الإنسان، وبأن من حقه أن يحصل
على أفضل ما يتناسب مع قدراته وإمكاناته وطاقاته المبذولة. إنه إيمان الفرد بأن من حقه أن يختار،
وينجح، ويتفوق، ويعيش حياة كريمة، ويتمتع بالحرية والكرامة، وينال مقابلاً عادلاً لجهوده. لا يمنّ
أحد عليه في ذلك، فليس لأيٍ كان أن يدعي فضلاً حين يؤدي إلينا حقوقنا. فحقوقنا ليست منحة
يتفضّل بها علينا شخص أو مؤسسة أو جهة، وحين يسلبنا أحدٌ أَياً من تلك الحقوق ثم يردها إلينا،
فإنه يكون بذلك قد انتهى عن فعل خاطئ أتاه، ولا يكون متبرعاً ولا متفضِّلاً.
ولست أعني في حديثي هذا إليك عن الحقوق، تلك الحقوق القانونية وحسب، وإنما أعني الحقوق
الطبيعية كذلك، وجوهر الحق ومحوره ومداره – يا ابْني - هو (قيمة) معنوية أو مادية، تثبت لك
فتستأثر أو تختص بها، ويكون تصرفك بما يترتب عليها مباحاً، وذلك بحكم كونك كائناً بشرياً، وبحكم
الأخلاق، وبمعيار طبائع الأشياء ومنطق الأمور، وبإملاء من المبادئ الإنسانية، وليس بحكم القانون
وحسب، والحق بهذا المعنى تكون له قدسية خاصة، وحماية تحيطه وتمنع مساس الآخرين به،
ويغدو احترامه واجباً، وأداء الناس له أو لما يترتب عليه أمراً يفرضه القانون، أو توجبه الأخلاق.
يا بني، إن الشخص الذي يفتقد الشعور بالاستحقاق يقبل مثلاً بوظيفة أقل بمستواها أو بأجرها
مما تؤهله له ملكاته ومهاراته، ويرضى بمستوى من التعليم أقل مما يستأهله قياساً لقدراته
العقلية واستعداداته، ويرضى بخيارات كان يمكنه أن ينال أفضل منها. فلا تقبل يا ابْني بموقع أو
موضع أو عمل أو زواج أو صحبة أو بيئة تقلُّ في مستواها عما تستأهله وتستحقه. ولست أدعوك
في كل ذلك إلى الاستعلاء، ولا أنهاك عن التواضع، فالتكبّر من أسوأ الأخلاق، والتواضع من أجلّها،
والغرور جهل، وخفض الجناح حكمة، لكن الثقة بالذات والشعور بالاستحقاق شيء آخر، وأساسهما
إيمان الشخص بنفسه واطمئنانه إليها، واقتناعه بخصائصه وصفاته ورضاه بها، واعتقاده بأنه جدير
بالتمتع بالحقوق الطبيعية والقانونية، وشعوره بأنه لا يقل قدراً أو شأناً عن أحد من حيث إنسانيته،
وإيمانه بمواهبه وقدراته ومميزاته ومهاراته ومؤهلاته، وبقدرته على القيام بأدواره وإثبات ذاته. فإن
ملك المرء هذا الإيمان والاقتناع والاطمئنان لم يكن ثمة ما يدعوه للقبول بأقل مما يستأهل
ويستحق.
ولعل شيئاً من معنى (الشعور بالاستحقاق) هذا، هو ما كان قصده المنفلوطي حين قال في
(النظرات) : { وعندي أن من يخطئ في تقدير قيمته مستعلياً، خير ممن يخطئ في تقديرها
متدلياً، فإنَّ الرجل إذا صَغُرتْ نفسه في عين نفسه، يأبى لها من أعماله وأطواره إلا ما يشاكل
منزلتها عنده، فتراه صغيراً في علمه، صغيراً في أدبه، صغيراً في مروءته وهمته، صغيراً في ميوله
وأهوائه، صغيراً في جميع شؤونه وأعماله، فإن عظُمتْ نفسه عظم بجانبها كل ما كان صغيراً في
جانب النفس الصغيرة}.
حتى على مستوى الأمم والشعوب يا بني، فإن المجتمعات التي لا تشعر بأنها تستحق الحرية
والديموقراطية والعدالة والرفاه والتقدم والنصر والرفعة، تظل تعيش القهر والظلم والفقر والهزيمة،
وتبقى في ركب الأمم المتخلفة، تفرح بأي قليل تناله، فتروح تتغزل به كأنه أكثر مما تستأهل
وتستحق، بل ربما راحت تبحث عن التفسيرات والمبررات التي تقنع بها نفسها بأنها ليست أهلاً
للحقوق التي نالتها المجتمعات المتقدمة..
وبعد، هل سمعت يا ابنيْ بالمثل الشعبي الدارج الذي يقول (رضينا بالهمِّ، والهمِّ ما رضي فينا) ؟
إني أفهم هذا المثل على أنه يُلخّص ببساطة وبلاغة آثار عدم شعورك بأنك تستحق الأفضل، مما
يدفعك للرضا بالأقل.
فتكون النتيجة أن لا يرضى بك هذا القليل الذي قبلت أنت به.
وخذها يا بنيّ مني، فإنك في كثير من الأحوال التي ترضى فيها بأقلّ مما تستحق، أي ترضى
بالهمّ، على حد تعبير المثل الشعبي، سَتُفاجَأ بأن ذلك القليل ذاته لم يرضَ بك.. فكأن الهمَّ إياه لم
يقبلكَ رغم أنك قبلته وهو أقلُّ مما تستحق..
وتلك مفارقة كما ترى عجيبة، لكن يبدو أنها عقوبةٌ (من جنس العمل)
لمن يقبل بأدنى مما يستحق
وردة الربيع- •-«[ مبدع جديد ]»-•
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين 18 فبراير 2019 - 14:56 من طرف وردة الربيع
» دعاء مقاتل بن سليمان لقضاء الحاجات
الإثنين 18 فبراير 2019 - 14:04 من طرف وردة الربيع
» دعاء مكتوب على حيطان الجنة
الأحد 17 فبراير 2019 - 14:07 من طرف وردة الربيع
» قصة رقم (3) عن الملحين في الدعاء
الأحد 17 فبراير 2019 - 13:30 من طرف وردة الربيع
» قصة رقم (2) عن الملحين في الدعاء
الأحد 17 فبراير 2019 - 13:25 من طرف وردة الربيع
» قصة حقيقية عن الملحين في الدعاء(1)
الأحد 17 فبراير 2019 - 13:21 من طرف وردة الربيع
» دلالات الألوان في علم النفس
الأحد 17 فبراير 2019 - 12:58 من طرف وردة الربيع
» حكم وعبارات مستوحاة من قصة سيدنا يوسف عليه السلام
السبت 16 فبراير 2019 - 18:15 من طرف وردة الربيع
» تجنبن الذهاب الى الأسواق أيتها المسلمات
السبت 16 فبراير 2019 - 18:07 من طرف وردة الربيع
» ارتداء الحجاب عبادة وليس عادات وتقاليد
السبت 16 فبراير 2019 - 18:02 من طرف وردة الربيع
» خطوات علاجية من القرآن
السبت 16 فبراير 2019 - 17:32 من طرف وردة الربيع
» مالاتعرفينه أخواتي عن أضرار المكياج
السبت 16 فبراير 2019 - 17:15 من طرف وردة الربيع
» اقوال اغلى من الذهب
السبت 16 فبراير 2019 - 17:05 من طرف وردة الربيع
» الدعاء لله في جوف الليل
السبت 16 فبراير 2019 - 15:58 من طرف وردة الربيع
» دعاء من أعماق القلب للمتوفي
السبت 16 فبراير 2019 - 15:34 من طرف وردة الربيع
» نوكيا x6 يعود إليكم بحلة جديدة
السبت 16 فبراير 2019 - 15:03 من طرف وردة الربيع
» حيل ذكية تحتاجينها في المطبخ
السبت 16 فبراير 2019 - 14:11 من طرف وردة الربيع
» وصف تمثيلي النعيم الجنان
السبت 16 فبراير 2019 - 12:52 من طرف وردة الربيع
» كنوز وأسرار في الصلاة على النبي المختار
الجمعة 15 فبراير 2019 - 18:13 من طرف وردة الربيع
» إحذر عبارة لن يستجيب الله لي من أعماقك
الجمعة 15 فبراير 2019 - 17:18 من طرف وردة الربيع
» شكرا وامتنان
الجمعة 15 فبراير 2019 - 16:15 من طرف وردة الربيع
» هل تعلم ماذا يأكل أهل الجنة عند دخولهم الجنة
الجمعة 15 فبراير 2019 - 15:40 من طرف وردة الربيع
» تجيبوا صغائر الذنوب وكبارها
الجمعة 15 فبراير 2019 - 15:06 من طرف وردة الربيع
» دروس BDM نسخة جديدة معدلة ومنقحة
الإثنين 20 مارس 2017 - 20:07 من طرف جمال
» مناجاة الخالق
الخميس 31 ديسمبر 2015 - 18:52 من طرف biohay2006